من هو الإمبراطور المجنون الذي أعلن نفسه حاكما شرعيا قبل أشهر من اندلاع الحرب الأهلية الأمريكية !

صحيفة المرصد- العربية- طه عبد الناصر رمضان: في السابع عشر من شهر أيلول/سبتمبر سنة 1859، نشرت صحف مدينة سان فرانسيسكو خبرا مذهلا مفاده أن مواطن أميركي يدعى جوشوا نورتون أعلن نفسه من خلال مرسوم رسمي أنه إمبراطورا على الولايات المتحدة قبل أن يلقّب نفسه بنورتون الأوّل.
كان ذلك قبل أشهر من اندلاع الحرب الأهلية الأميركية والتي أسفرت عن سقوط ما لا يقل عن 600 ألف قتيل، وعاشت الولايات المتحدة على وقع هذه الحادثة الفريدة من نوعها. وبعد المرسوم أكد الإمبراطور الجديد على التغييرات والصعوبات التي تواجه البلاد، معلنا سعيه لإنقاذ الولايات المتحدة من "الشرور التي تحيط بها".
قصة هذا الإمبراطور المزعوم؟ وفي مطلع خمسينيات القرن التاسع عشر، كان جوشوا ؤواحدا من أهم أثرياء سان فرانسيسكو، لكن وإثر مراهنته على عدد من الصفقات الفاشلة خسر ثروته سنة 1853، واختفى عن الأنظار عدة سنوات قبل أن يعاود الظهور سنة 1859 معلنا نفسه الإمبراطور الشرعي للولايات المتحدة الأميركية.
أفلس.. وفقد ثروته ووفق تحاليل الأطباء النفسانيين المعاصرين، فد عاش جوشوا نورتون على وقع صدمة حقيقية بسبب إفلاسه وبالتزامن مع فقدان ثروته فقد الأخير قدراته العقلية، وكان يرتدي أثناء التقاط الصور الرسمية، ثيابا عسكرية، ويتسلّح بسيف. وبفضل ذلك حظيت صوره بجاذبية كبيرة.
يتفقد أحوال الرعية.. وصك عملة ورقية واعتاد نورتون على التجول لفترات طويلة بين مختلف شوارع سان فرانسيسكو ليسأل عن أحوال رعيّته، كذلك لم يتردد أهالي المدينة بالانحناء تبجيلا له أثناء مروره، و لم تتوقف غرائب الإمبراطور عند هذا الحد، بل أقدم على صك عملة ورقية بعد أن وافقت إحدى المطابع المحلية على طباعتها من أجله. لكنها كانت عملة بلا قيمة، ولهذا السبب وإثر تعاطف الأهالي معه تناول نورتون الأول وجبات طعامه بلا مقابل عند أفخم مطاعم سان فرانسيسكو. وأعادت سلطات المدينة مداعبته فوضعت عبارة إمبراطور أمام مهنة جوشوا نورتون على وثائقه الرسمية.
أقال جميع المسؤولين السياسيين بالبلاد بالتزامن مع اندلاع الحرب الأهلية الأميركية، أمر جوشوا نورتون بإقالة جميع المسؤولين السياسيين بالبلاد، وأعلن نفسه الحاكم المطلق. ومع بداية الحملة العسكرية الفرنسية على المكسيك اتخذ الإمبراطور قرارا جديدا أضاف من خلاله لقب حامي المكسيك إلى نفسه.
الفقر في حياة نورتون وكان نورتون الأول يعانى منذ تتويج نفسه إمبراطورا من ويلات الفقر، ولهذا السبب لم يتردد العديد من المتساكنين في تقديم المساعدات المالية إليه على شكل ضرائب، وتدريجيا، تحوّل جوشوا نورتون إلى رمز من رموز مدينة سان فرانسيسكو، فمع قدوم إمبراطور البرازيل بيدرو الثاني لزيارة المنطقة، قدم الأهالي نورتون الأول لمصافحة إمبراطور البرازيل كنوع من أنواع اللقاءات التقليدية بين الأباطرة.
نهاية نورتون الأول وفي يوم الثامن من شهر يناير/كانون الأول سنة 1880، فارق نورتون الأول الحياة عن عمر يناهز 61 سنة عقب إصابته بسكتة دماغية. وتناقلت كبرى الصحف الأميركية مثل نيويورك تايمز، وواشنطن بوست، خبر وفاته وجنازته الرائعة التي حضرها حوالي 10 آلاف شخص. وتحولت إلى ذلك، وتحولت قصة نورتون الأول خلال السنوات التي تلت وفاة الإمبراطور إلى مصدر إلهام العديد من الروائيين والمؤلفين، على رأسهم المؤلف والكاتب الأميركي مارك توين الذي استغل هذه الشخصية الفريدة في رواية مغامرات هكلبيري فين.